يوليو 2022 - *RAMAD *RAMAD: يوليو 2022

الثلاثاء، 26 يوليو 2022

أول تجربة لي في غرفة عمليات زراعة القوقعة





.
.


2008 - 2009
الكويت
مستشفى زين


.


كان مخيفاً ،

أن أتخذ قراراً لا رجعة عنه، أن أغادر عالمي الغارق في عتمة الصوت، أن أخطو بكامل وعيي تجاه المجهول، المجهول مرعب "مالانعرفه يخيفنا يجعل أطرافنا ترتجف رهبةً !"

لكن .. عندما حادثاني ليقنعاني برأيهما، 

عينيهما تلمعان، يغشيهما الدمع فما يحدقان بعينيّ خشية أن اقتطف بعضاً من ألمهما، شفتيْهما ترتجفان تأثراً، يديهما تطيش بكل اتجاه تحاول إيصال كلمات مابرحت تختنق في حناجرهم.

رؤية كومة الألم التي يكتويان بجمرها أحرقتني، اتخذت قراراً لا عودة عنه، لا مفر..

رفعت رأسي، رسمت ابتسامتي الواسعة التي يحبانها واخبرتهما :"أنا موافقه".

السعادة التي اشرقت في وجهيهما قتلت كل تردد في روحي، اخبرت نفسي حينها "مادام الامر يعني سعادتهما فأنا سأتقبل كل النتائج مهما كرهتها" 


كنت خائفة .. لن اكذب واستر جبني برداء من شجاعة!

فما كنت شجاعة ذات يوم، الموعد المأمول اقترب، صار غداً، التوتر والتفاؤل يشعان من والديَّ، أما أنا فالرعب انشب براثنه فيّ، جالسة انتظر حتفي بهدوء ظاهر، اما روحي فكان يتآكلها الخوف، لطمت عقلي داخلياً وصرخت به:"اخرق! الخوف لن يمنع القدر!" ،

لملمت شتات روحي أدخلت نفسي في طور الكمون طوعاً وهدأت، شعرت بمعنى الاستسلام حينها، وكأنني خرجت من جسدي لأرقب مايحدث للفتاة التي تشبهني بلا اهتمام او مبالاة.


.


في المشفى أنا، أرتدي لباسا من لون أكرهه، مرتمية على سرير أبيض ذو عجلات، يغطيني شرشف من بياض ناصع، وتستر شعري منشفة زرقاء! 

ها أنذا استعديت لكل شيء، اعطوني "المخدر" وفجأه ... كل شيء في وسطٍ من عتمة تلاشى ....


.


النور يبهرني، افتح عيناً واحدة علّي اعرف اين أنا

ها هي والدتي، مهلا مالأمر؟، تهز رأسها، تنظر للأرض باستسلام وطبيب ذو لحية طويلة يحادثها بشيء ما وكأنه يعتذر، ذهب الطبيب فسألتها مالأمر؟ ابتسمت لي بأسى أن لاشيء، لمست رأسي، لايوجد ضماد أو جرح؟ ما المسأله! 

اوتش، شعري !!!!


.


اخبروني بعدها انهم عندما انتهوا من حلق شعري جهة أذني وصلتهم نتائج الأشعة، تلك النتائج التي اوقفت إجراءاتهم، ماكان الطبيب يخبره لأمي هو"للتو اكتشفنا أن لديها تكلسات بالقوقعة، الجهاز الذي لدينا هو ذو قطب واحد لن نستطيع زراعته، نحن آسفون"، مثلت أني حزينه لكن ،، هناك رعب ثقيل تسرب خارجاً من روحي ! 


هل انتهى الأمر؟ تمنيت ذلك!

لكن للمسألة جزء آخر بدأ باختلاف وانتهى بسعادة.


.


شذره: "الجزء من شعري الذي انزعجت لحلقه اصبح افضل من الجزء الذي لم يحلق :'( "

وهذا كان احد اعظم فوائد هذه التجربه^^


زرعت بعدها في عام 2010 ، ولهذا حكاية أخرى ..



#RAMAD*


اقرأ المزيد ... >>

لَيْتَ أَنّي أجِدُني .. لَيْت !

 


رسمتي*


---------------------------




أنا خارجي

أرقبني من بعيد ،

أبحث عن شيء فيّ يشبهني

فلا أراه ، 

يؤلمني أني أذكر اسمي

أحفظه يقيناً ، عن ظهر قلب

لكن من أنا ؟ 

لا أعرف ، نسيت ..


شيء ما يغزو روحي ! 

شيء ما، في صدري يضمحل 

ما هو ؟ 


محاولة فاشلة لتذَكُّرِ روح  

اركز أكثر 

ماهو ! 


آخ ، رأسي ينبض، 

يهدد: سأنفجر

لا تعرفي ، غير مهم 

أنتِ لازلتِ حَيّة ألا يكفي هذا ! 


أصرخ به: كلا ، لا يكفي ! 

أنا أحتاجني !

لَيْتَ أَنّي أجِدُني 


لَيْت !


----------------

كلماتي*

R A M A D*



اقرأ المزيد ... >>

الأحد، 17 يوليو 2022

عن سمعي ذات يوم ..







هدوء شديد ، سكينة مخيفة..

 هواء بارد يداعب وجهي، غرفة حالكة اقبع في زاويتها احاول جلب النعاس لعيناي، تلفتني إضاءة خضراء صادرة عن صندوق الرطوبة ابتسمت بخفوت فهناك ترقد حاستي الخامسه هناك سمعي محفوظ بأمان على شكل سماعة لطيفة بنية اللون، حالما أنتزعها من أذني يصاب الكون بصمت مرعب وهدوء غريب وتتلبسني حالة من اللامبالاة المؤلمة والارتياب الفظيع! ارتاب ان احدا ربما يناديني، ربما احترق المنزل ولم اسمع صراخهم ربما داهمنا "لص" ووالدتي تصرخ من حر مافيها ان أهرب وانا هنا في هذا الصمت اخذل الجميع وأعجز حتى عن إنقاذي .. خيالاتي عبارة عن "دراما مستمرة" واعتذر لنفسي لكنني لم اعتد هذا الصمت حتى الآن .. ببساطة يخيفني..

تطوف بي الذكريات .... اتذكر حينما استيقظت من النوم في يوم بعيد، حاولت الوقوف دون جدوى! جسدي خفيف.. يطفو .. إنه يخون إرادتي في تحريكه مهما حاولت ... ماهذا الهراء ! حاولت حتى وقفت مستعينة بالجدار ابدو للرائي وكأنني ثملة لا استطيع التوازن، أشعر أني خفيفة وثقل رأسي موجع! استعنت بالله ومضيت بترنح حتى رأتني الحنون أمي ♥ 

ذعر امي وخوف أبي المستتر يأبى إلا أن يطل من عينيه اذكر ذلك بشكل ضبابي...


فحوص واستغراب شديدين مابي؟ لا احد يملك إجابة على ذلك! لا أذكر ماذا كان تشخيص الاطباء حينها.. لكن اختفى عدم الاتزان وعدت سليمة.


بعد اسبوعين بدأت ألاحظ أذني اليسرى مذ ذلك اليوم لا أشعر بأصوات تمر عبرها أبدآ ! تبدو الأصوات وكأنها محفوظة في رأسي، استغربت لكنني لم اخبر أحدا كنت طفلة و سعيدة، فكرت بأنه ربما أمر عارض لكن سأخبر أبي لو استمر، اخبرته بعد ذلك بأسبوع أو أكثر وحينها بدأت رحلة استمرت طويلآ ......


كنت في الثانية عشر والنصف من عمري مجرد طفلة فقط، كانت حياتي حينها فقط مستشفيات مستشفيات واكثر ما فجعني كان أنني اضطررت لأخذ امتحانات منتصف العام مؤجل! من سيأتي بالامتياز لي ! كنت مرتعبة حقآ! جسدي في المشفى وعقلي وقلبي يفكران بمدرستي! وامي وأبي مذعوران مابي ! وهل سمعي ذهب للأبد ؟ وهذا ماكان فقد اصبحت بنصف سمع في أذن واحدة والأخرى اصبحت لا تصلح إلا للزينه وكحاملة مجوهرات فقط ! كان والدي مفجوعين داخليا علي، كانا يصمتان كثيرآ ويحاولان التماسك أمامي .. لكن أعينهم تتحدث، كانا معذبين بعمق لأجلي، يفكران هل حقآ مستقبلي بات مجهول الهوية؟ 

اعلم أن أكثر ما آلم أبي أن الدكتور اخبره بعلاج "الاكسجين عالي الضغط" كان ربما قد ينفع لو أنني أتيت أبكر بإسبوع ! كان يلوم نفسه ذاتيآ رغم أنها مشيئة الله ومابيده حيلة أن يغيرها ولو حاول. 


بعد ذلك تقلصت مراجعاتنا الطبية إلى النصف وأصبحت كشوف اسبوعية وبما أن القليل المتبقي من سمعي صار إلى نزول نصحوني بارتداء سماعة، ارتديت واحدة واكملت حياتي المدرسية بسعادة لا لست كاذبه حسنآ لم أكن سعيدة بشكل مستمر، كانت هنالك مواقف تحصل لي .... كيف أصفها؟ حسنآ سأعترف لأول مرة في حياتي .. حسنآ ! كم أن الاعتراف بذلك صعب !! كانت تلك المواقف تجعلني ادفن وجهي في وسادتي لأكتم شهقاتي كنت أبكي حتى الإنهاك ثم ابرمج عقلي على أني سعيدة دومآ وأبدآ وحتى الموت وحينها استطيع النوم براحة وبجرعة مضاعفة من الثقة بالذات، اعترف أن المواقف المحدثة لردة الفعل السابقة حدثت لكنها قليلة، و يالله إنها مدرسة مراهقات! ماذا نتوقع أكثر؟


اوه نسيت إخباركم بأنني قد حصلت على امتياز يضاف إلى لائحتي بعد خضوعي لامتحاناتي المؤجله، لك الحمد يالله. استمرت حياتي بروتين عادي مع تقليص في أنشطتي المدرسية كنت أخشى أن يطلب مني شيئآ في اللحظة الأخيرة قبل تقديم الإذاعة مثلا ثم لا أسمعهم فأخذلهم وأحرج نفسي، جبانة أنا، اعترف والأشد احساسآ بالعار أني تركت دار القرآن متنفس روحي الأزلي وواحة أنشطتي الاجتماعية، لماذا تركتها؟ لأنني حينما أُسَمع الآيات للمعلمة لا أستطيع أن أَسْمع إلا صوتي مهما كان خافتآ لا أستطيع سماع صوتها وهي تصحح أخطائي التجويدية، كنت أشعر بالضغط الشديد حينها، أذهب للمدرسة وأبقي عيناي مفتوحتان واعصابي متقدة مستعره أخشى أن يناديني أحد فلا أسمعه ! يالله .كم كان ذلك مرهقاً .. لكنني كنت سعيدة وأشعر أني جد مميزة، أن الله اختارني من بين ملايين الناس كي يأخذ سمعي ويعطيني كل مواهبي الأخرى. 

لِمَ ينتابني احساس النقصان وأنا مميزة، مختلفة وغير عادية؟ كلا لاينتابني النقصان لأجل صممي أبدآ، أنا  أكره أن أكون عادية، العادية مؤلمة وغالبآ مذلة تجعلنا مهمشين نسخ متشابهة تقبع في الصفوف الخلفية ! 

صممي يمنحني فرصة أخرى لمحاربة عاديتي ! 

أذكر أن إحدى الطبيبات سألتني ماذا أفعل بحياتي؟ أخبرتها أني لا زلت طالبة لم أتخرج بعد، كانت علامات الصدمة واضحة على وجهها في مدرسة خاصة؟ سألَت، لا بل في مدرسة عامة، أجبت. قالت حينها ماشاء الله، هل تعلمين بأن الكثير ما إن يعرف أنه فقط سمعه حتى يترك المدرسة أو الوظيفة وكل شيء !


اوووه أعتقد أن في كلامها بعض المبالغة صحيح؟ 

تقرر أن أقوم بعملية زراعة قوقعه لأن سمعي أصبح شحيح جدآ، خضعت لها ولم تكن خطيرة كما توقعت بل كانت بسيطة وسريعآ ماخرجت من المشفى، لن أذكر تفاصيل ها هنا فلا شيء مميز حدث بعد ذلك، فقط اصبحت اسمع افضل وأقرب لدرجة سمعي حينما كنت سليمة وأصبحت أحاول الإمساك بزمام حياتي بشكل جيد وممارسة أنشطتي التي تركتها خجلآ وجبنآ !

اعتاد والداي كوني صماء رغم أني ألمح في مقلهم أحيانآ حزنآ علي لكن، أعلم أنهم يسعدهم كوني أحب ذاتي ولا أبدل حياتي بحياة أخرى ولو حتى لشخص سليم.

تنتابني احراجات اجتماعية بين حين وآخر لكنني أقول بثقة: "عذرآ حدث ذلك لأنه لدي مشاكل سمعية ولم أسمع ماقلتموه".

واكتشفت أن الناس يحبون المساعدة حقآ عندما نتيح لهم المجال. 


مستمرة بحياتي أنا لأنني أعلم أنني سأكون شيئآ عظيمآ ذات يوم وإن لم يحن الوقت بعد. 

أعلم أني سأكون قدوة لشخص أصم يرى حياتي فيعلم أنه لم يفقد كل شيء بل فقد سمعآ فحسب. 


ثم أنني أنظر للنصف الممتلئ من الكأس، كوني صماء يعني :


*أني أعيش بعالم من الصمت والعزلة التي تتناسب مع روحي، متى أردت ولست مقيدة بمكان ولا بزمان.


*أني أعيش بسلام داخلي فالصمت وإن كان موجعآ يجعلني أعرف ذاتي، مواطن ضعفي ومكامن قوتي.

 

*أني أنام بهدوء لذيذ وإن كان حولي حروب وكوارث.


هذا بعض من فيض من الحسنات والجوانب الإيجابية لكوني لا أسمع. هل فهمت يا هذا؟ هل وعيت؟ كل مايؤلمني بكوني صماء هو الشفقة التي قد يمنحني إياها دون وجه حق من يعرف بأني لا أسمع للتو الشفقة التي يوجهها نحوي على شكل نظرة تصيب شغاف قلبي وتمزق روحي ثم تجعلني أقوم بأي رد فعل يجعله يغير تلك النظرة بسرعة البرق إلى إعجاب أو خوف، أجل خوف، فأنا وبغض النظر عن مايقوله معارفي أستطيع أن أكون مرعبة عندما أريد خاصة حينما يوجه لي أحد شفقة لكوني صماء ! 


ثم أنه يسكنني قول درويش: 

" وبي أمل يأتي ويذهب ولكن لن أودعه! "

أمل عظيم بالخالق، ثم بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، و.... أجل لن أودعه (أملي).


RAMAD*

2010



*تحديث*

إنه مقال أو بالأحرى "ذكرى" قديمة .. كتبتها قبل إثنا عشر عاما في بداية زراعتي للقوقعة حينما طلب مني أن أكتب شيئاً عن سمعي ، صادفتها اليوم بين ملفاتي القديمة ثم هاضت بي الذكريات .. يالله كم تبدو تلك الأيام بعيدة خالية من السوء .. حاولت أن اتذكر مالذي كان يبكيني حتى اكتم شهقاتي وابكي بهذا العنف؟ اتذكر بكائي لكني لا اتذكر الأسباب حتى ..مضحك حقاً... وربما درس لنفسي التي صرتها اليوم .. الوقت كفيل بالنسيان ..

2022

اقرأ المزيد ... >>