زراعة القوقعة وحكاية .. - *RAMAD زراعة القوقعة وحكاية .. - *RAMAD

الاثنين، 15 فبراير 2016

زراعة القوقعة وحكاية ..










الصمت يعم المكان ، قاعة رياضةٍ عملاقة،الطاولات مرتبة بشكل يبث الرعب والوحشة في قلبك ، كثرة المراقبات تقضي على اي محاولة للغش قبل ان تولد،وجوه صارمة تحدق بك حتى لتشعر وكأنك حشرة عالقة تحت المجهر !
وهناك بالضبط وراء طاولة زرقاء مغلفة بالابيض لحكمة يعلمها المراقبون انفسهم،كنت جالسة في قاعة الاختبار مستقيمة الظهر تعكس ملامح وجهي سمة التحدي بينما في حنايا اضلعي ينبض قلبي بخوف ووجل، الناظر إلي بمعطفي الرمادي الطويل، ظهري المستقيم ورأسي المرفوع عاليا يرمقني باعجاب ويظنني مملؤةً ثقةً،لكنهم لايعلمون كم أنا خائفة ويداي تمزقان منديلاً بتوتر في داخل جيبي !
كنت خائفة ليس من الاختبار بحد ذاته، لكن اخاف ان يكون هناك خطأ مطبعي في الاختبار وعندما تأتي المعلمة لتصحيحه اخشى انني لن اسمع ماتقوله، اخاف مجيء مشرفة اللجان لتطلب منا شيئا وانا ايضا لن اسمعه !
اخاف ايضا ان يوضحون نقطة مبهمة في الاختبار وانا ايضا بكل تأكيد لن اسمعهم !
كان اليوم هو الاختبار الاول لطلاب السنة النهائية وصدقوني الثانوية العامة في الكويت اسمها كفيل بجعل اجسادكم تقشعر رعبا !
سلموني ورقة الاختبار التي قام وزنها الثقيل  بجعل قلبي يتلوى بين اضلعي خوفا، كان غلاف الورقة غريبا جدا ولم اعرف ماذا اكتب عليه من معلومات بالضبط !  غلطة املائية واحدة وتدخل ورقتي إلى لجنة تصحيح خاصة،كنت اشعر وكأنني على حافة الهاوية اعتقد بأن من نظر إلي لحظتها لظن بأنني خرقاء ، فقد بدأت اتحرك بتوتر على مقعدي واتمتم بأدعية راجية من الله جعلي اسمع المراقبة حينما تخبرنا ماذا نكتب، كنت انظر الى الباب لا إلى ورقتي خوفا ان تجيء المراقبة وتذهب دون حتى ان اعرف !
بعد لحظات حانت اللحظة الحاسمة خطوات حازمة، حركة ثابتة، نظرات صارمة عرفت بثقة حينها انها المراقبة، وجهت حواسي كلها ناحيتها حتى ان المعلمة التي تقف فوق راسي رمقتني باستغراب شديد فقد بدوت وكانني سأقع على وجهي من الحماس، بدأت تتكلم المراقبة وامتلأت انا رعبا شديدا فنبرت صوتها كانت غريبه مما يعني انني لن استطيع ان افهم حرفا مما تقول !
الصدمة جعلت اطرافي ترتعش توقعت ان يكون صوتها خافتا، كنت سأطلب منها ان ترفعه، لكن كوني لا استطيع تمييز مخارج حروفها جعلني ابدو للناظر وكأنني كما يقولون قطة على صفيح ساخن ! متوترة مرتعبة خائفة رفعت يدي وقلت: لو سمحتِ هل بإمكانك الاقتراب قليلا وإعادة ماقلته للطالبات توا ؟ فأنا لدي مشاكل سمعية!
انتظرت ردة فعلها آملة ان تكون إيجابيه، رمقتني بنظرة مرتابة وزفرت بعمق ثم تقدمت خطوتين واعادت ماقالته كانت لاتزال بعيدة عني وصوتها بعيدا ونبرته غريبه، امتلأت عيناي دموعا وبدت اعصابي على شفير الانهيار !
صرخت بصوت اعلى حينها: لو سمحتِ اقتربي اكثر او اريني النموذج الذي بين يديك كي اعرف ماذا اكتب فأنا لا اسمع جيدا وصوتك بعيدا جدا ! كنت حانقة وخائفة واتحدث بسرعة شديدة جدا لكن صوتي وياللغرابة كان حازما للغاية، عم القاعة الهدوء الشديد وانظار الجميع محدقة إلي ! حينها ظهرت قوتي الخفيه مددت ظهري اكثر ورفعت رأسي متحديه ورمقتهم بنظرات ثابته وابتسامة واسعه فعلى كلٍ هذا مايحدث أحياناً وسيستمر لبقية الحياة ربما فلم علي أن اخجل ؟
اقتربت المراقبة مني وتحدثت بشكل اهدأ نقلت معلومات غلاف الورقه وحينها فقط شعرت بالسكينة تجتاحني، شكرت الله ومضيت احل الاختبار، بعدما خرجت من القاعة اصبحت تمر بي مجموعات من الفتيات ويتحدثن معي في نظراتهن شيء مختلف وانا اعرفه اينما رأيته كان اعجابا بموقفي، اعجابا بأنني لم اصمت لم ابكي خجلا او انزوي عن الجميع شاعرة بالمذله ! كان الموقف كبيرا على من اجتازه حيث انني اعلنت امام مايقارب مئة شخص وأكثر يعرفونني انني لا أسمع ، هكذا دون تبريرات وفجأة انا لا أسمع ! لكنني حمدت الله عليه فقد جدد ثقتي بنفسي وثقتي بالعالم ، شعرت انني قوية وبإمكاني أن اجتاز المصاعب، لكن ذلك الخوف لازال يزورني كلما وجدت نفسي في موقف يتطلب مني ان اسمع جيدآ كي لا اخطئ وليس بيدي حيلة ربما هو خوف طبيعي، كما خوفي من ان تعطب سماعتي في وسط يوم مدرسي، او وقت الاختبارات فذاك كفيل بجعلي ابكي واتمنى مالم اتمناه منذ مدة، ان اعود فاسمع دون جهاز !
اعلم يقينا بأن كل زارع قوقعة وضعيف سمع وقع مثلي في موقف محرج او خاف وارتعب من ان يقع في موقف محرج، لكنها حياتنا والخوف شيء لانستطيع السيطرة عليه احيانا لكن فلنحاول مجابهته بقوة كي لا يسيطر علينا ويحبسنا ضعفاء جبناء في صومعته!.




#RAMAD*

"القصة قديمة كتبتها قبل بضع سنوات"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق